السلام عليكم
لدي صديقة مولعة بالحكايات القديمة ، إتصلت بها في إحدى الليالي لأطمئن على صحة أمها التي كانت مريضة
فطمأنتني عليها و قصت علي هذه القصة و لأنها أعجبتني وددت أن أقصها عليكم علها تعجبكم أو أن تأخذوا منها العبرة
كان يا مكان في قديم الزمان ، كانت هناك شجرة تفاح ضخمة و تقابلها شجرة جوز أضخم في في قرية ما
و كان هناك طفل صغير يسكن بالقرب من هذه الشجرتين ، يلعب دائما بالقرب منهماو يدور حولها و هو يمرح
و يلهو و كان يتسلقهما يوميا و يأكل من التفاح و يأكل من الجوز كما يشاء
و بالقدر الذي يشاء ، و كان أحيانا يأخذ قسطا من النوم تحتها أثناء القيلولة و خاصة في فصل الصيف
و كانت له أرجوحة مربوطة في إحدى الشجرتين العظيمتين يتأرجح بها
بقي على هذه الحال حتى كبر فقد كانت صلته بهذه الشجرتين و كأنهما جزء من حياته يحبهما و تحبانه
مرت السنين ، فكبر الولد وصار شابا يافعا ، فقل توجهه إلى هذه الشجرة بحكم الدراسة و الإنشغالات اليومية
التي تفرضها الحياة ...
في يوم من الأيام ، ناداه الحنين إلى الشجرتين ، فنزل من البيت متجها إليهما و جلس تحتها كما كان يفعل في صغره
فاقتنع بأنه سمع إحداهما تقول له : إلعب معنا مثلما عودتنا زمان
فأجابها الشاب ( و هو يكلم نفسه) : لم أعد صغيرا لألعب معكما و حولكما
أنا الآن أريد بعض الحاجيات التي تأتي مقابل دفع النقود لشرائها
فتيقن بأن الشجرتين لا تملك النقود و تخيل و كأنهما تبرران له و تقول : نحن لا يوجد معنا أية نقود!!!
ولكن يمكنك أن تأخذ كل التفاح و الجوز الموجود في أغصاننا لتبيعه ثم تحصل على النقود التي تريدها
فسعد الشاب بهذه الفكرة علما أن الشجرتين ليست لأحد معين بل هي موجودة في ذلك قبل وجوده
دون صاحب ظاهر أو معروف و كأنها خلقت من أجله و فقط
فتسلق الشاب الشجرة الأولى وجمع جميع ثمار التفاح التي عليها ونزل من عليها سعيدا ، ثم
تسلق الثانية و جمع منها كل الجوز الذي عليها و نزل ...
ذهب الشاب بذلك الكم الهائل من التفاح و الجوز ولم يعد بعدها ...
ترك تلك الشجرتين حزينة تنحرق شوقا عليه ، دون حتى أن يشكرها على عطائها له
مرت سنين ...
و في يوم من الأيام رجع هذا الشاب لنفس المكان ، ولكنه لم يعد شابا ، بل أصبح رجلا!!!
إتكأ على إحدى الشجرتين و عبر لها عن شوقه لهما ، فكانت الشجرتين في منتهى السعادة لعودته
فتخيل و كأنها تكلمه و تقول له: تعال والعب معنا وامرح معنا مثل زمان فنحن بحاجة إلى مرحك
ولكنه أجابها وقال لهما: أنا لم أعد لا طفلا لألعب حولكما مرة أخرى و لا شابا لأحكي لكما همومي
فتمنان على بنصيحتكما ، فقد أصبحت رجلا مسؤولا على عائلة
وأحتاج لبيت ليكون لهم مأوى ، فهل يمكنكما مساعدتي بهذا؟
قالت الشجرتين معا : نحن لا يمكننا أن نبني لك بيتا ولكن يمكنك أن تأخذ جميع أفرعنا للآخر لتبني بها لك بيتا
فأخذ الرجل كل الأفرع وغادر الشجرتين وهو سعيد ، و من فرحته لم ينتبه إلى أنه لم يشكرهما
وكانت الشجرتين سعيدة لسعادته ورؤيته هكذا ...
ولكنه ، أطال غيبته عليها و لم يعد إليها
وأصبحت الشجرتين حزينة مرة أخرى فقد أكل عليهما الدهر و شرب و أخذ منهما الولد ما أخذ
حتى إن إحدى الشجرتين يبست من الحزن و لم تعد تتنفس و لا تتكلم
مرت السنين ...
وفي يوم حار جدا ،عاد الرجل و قد أصبح كهلا و بدا عليه الشيب ، ومرة أخرى فرحت الشجرة الباقية بعودته
فقالت له الشجرة : تعال والعب وامرح معي مثل زمان فغيابك آلمني أكثر من زمان لأنني وحيدة الآن
و الشجرة التي كانت تواسيني لم تعد هنا فقد إظمحلت و انتهت
فقال لها الرجل أنا في غاية التعب وقد بدأت في الكبر...وأريد أن أبحر لأي مكان لأرتاح
وقال : هل يمكنك إعطائي مركبا
فأجابته : يمكنك أخذ الجذع اليابس الذي بقي من زميلتي لبناء مركبك...
و إن لم يكفك فخذ من جذعي أكبر قدر تستحقه ، فنحن فداك
وبعدها يمكنك أن تبحر به أينما تشاء...وتكون سعيدا
فقطع الرجل جذع الشجرة الميتة دون مبالاة ، و أخذ من الأخرى أكثر من نصفها وصنع مركبه!!!
و ترك الشجرة بحجم أقل بكثير من نصف حجمها
وسافر مبحرا ولم يعد لمدة طويلة جدا جدا
أخيرا عاد بعد غياب طويل وسنوات طويلة جدا ، عاد و هو شيخ هرم
ففرحت الشجرة لعودته و قالت له : تعال والعب معي وامرح فمرحك حولي يمنحني الحياة
وأأسف لأنني لم يعد عندي أي شئ لأعطيه لك
وقالت له : لا يوجد تفاح و لا يوجد جوز و لا أرجوحة و لا جذع لتتسلقه و لا ظل
قال لها: لا عليك لم يعد عندي أسنان لأقضم بها الثمار ، و يصيبني الدوار إذا تأرجحت
و قدماي تكاد لا تحملني فكيف أتسلقك ...
فقد أصبحت عجوزا اليوم ولا أستطيع عمل أي شئ!!!
فأخبرته الشجرة : أنا فعلا لا يوجد لدي ما أعطيه لك
ولكن لدي جذور ميتة يابسة علها تفيدك بشيء ، فخذها واسعد بها ...قالتها وهي تبكي
فأجابها الشيخ وقال : كل ما أحتاجه الآن هو مكان لأنام فيه ، فلم أجد غير جوارك
فأنا متعب بعد كل هذه السنون
فأجابته وقالت له: جذوري هي أنسب مكان لك للراحة لعلي أدفئك في البرد و أحرسك في الليل
تعال ...تعال واجلس معي هنا تحت واسترح معي لأشم رائحتك فتؤنس وحدتي
و أؤنس وحدتك ، فنزل الرجل إليها وكانت الشجرة سعيدة به إلى أن ناما نومتهما العميقة
إنا لله و إنا إليه راجعون
يضحي الوالدان على أبنائهما لآخر لحظة و الأولاد لا يأبهون
"أحبوا أبويكم و بروا بهما "