الشجرة.. رمز الحياة!!
يمضي العالم بخطوات متسارعة إلى خطر كبير بسبب التلوث البيئي، من تخريب واستهتار وتهاون بالنداءات التي تصدر عن علماء البيئة، وهذا الخطر الذي استفحل وتضاعف فسيؤدي (لا سمح الله) إلى مخاطر كارثية، ليس على البشر والكائنات الحية والكواكب فقط، بل وعلى الشجر والحجر. ونحن نتابع ونراقب ما يجري الآن من تلوث بدأ يطال شرابنا وأطعمتنا التي نعيش عليها، وعلى المزروعات والبحار والأنهار والغابات، والفضاء الذي نتنفسه، وعلى المحيط الذي نعيش فيه. ورغم ذلك، ورغم إدراك الناس حجم هذا الخطر، والنداءات التي تصدر من هنا ومن هناك، ما زالت بعض الدول الكبرى الصناعية - إن لم نقل كلها - تتجاهل وتستهتر بالنظم الضابطة لحماية البيئة، وتمارس القتل غير المباشر على كل كائن حي على هذه الأرض.
فالمعامل الضخمة والكبيرة تنفث سمومها في الفضاء دون ضوابط، ودون مراعاة لتعليمات السلامة، وتلقي بفضلاتها ونفاياتها في البحار والأنهار، وتخلط الحابل بالنابل من أجل الكسب المادي، دون النظر بعين الاعتبار والتقدير والمسؤولية، ولا بعين إنسانية إلى مدى خطورة، هذا السلوك.
وفي المقابل مازال السلوك العام للناس، أو لأكثر الناس، غير مدرك تماماً لهذه المخاطر؛ فالإنسان - وهو أساس هذه المشكلة - يمارس الاستهتار بالبيئة دون أي شعور بالذنب، ويمارس قتل الحيوانات الأليفة: البرية والبحرية، والطيور والزواحف، للإفادة من لحومها وجلودها وعظامها أو للمتعة والتسبب، دون مراعاة المحافظة على النوع والجنس، مما أدى إلى انقراض الكثير من الحيوانات والحشرات المفيدة، والى تعرض أنواع كثيرة أخرى من المخلوقات بما فيها الإنسان إلى خطر هذه المهالك.
ولو قرأنا بحيادية نسبة تزايد الإصابة بالأمراض الصعبة، (الهضمية والتنفسية والنفسية والجلدية) عند البشر لوجدنا أن هناك قفزات مرعبة صعوداً على الخط البياني الطبيعي لتحقيق التوازن الذي شرعه الله سبحانه وتعالى. ناهيك عن مسألة نضوب المصادر المائية الصالحة للشرب، وتلوثها، وتلوث المزروعات بسبب الأدوية والهرمونات غير المدروسة ولا الأمنية التي تنتجها المصانع بإدعاء وقاية وتكثير وتحسين المزروعات! وارتفاع الانبعاثات الحرارية وتصاعد درجات الحرارة، وزحف الصحراء، وهتك المساحات والأحزمة الخضراء والغابات، وانقراض الحيوانات والحشرات.
ولعل بعض هذه الأخطار إن لم يكن أهمها هو خرق وشق طبقة الأوزون وتوسعها يوما بعد يوم في الفضاء وهي الغطاء الحامي للأرض بسبب تلك التجارب غير المسؤولة لاكتشاف الفضاء، والصواريخ والسفن الفضائية والأسلحة عابرة القارات، وسباقات التسلح وأكثر الأسلحة رعباً ( الكيميائية والجرثومية والنووية) والحروب الضارية التي تجري هنا وهناك.
هو موضوع طويل وكبير ومتشعب، لكنني في هذا الركن أدَّعي بأنني سأتناول الشجرة في موضوع البيئة، هذه الشجرة التي تعتبر بحق رمز الحياة، بجمالها وفوائدها وأهميتها.
عندما خلق الله سبحانه وتعالى الأرض، وقال لها كوني فكانت، هيأ لها أقدارها وأقواتها، وجعل فيها الجبال والوهاد، والبحار والأنهار، والشجر والحجر، فكانت موطن أبناء آدم عليه السلام، فسبحان الخالق فيما خلق.. وقد سخر سبحانه لكل ما خلق طقوساً ونواميس وشرائع كي يتحقق التوازن الذي لا يعلمه ولا يتقنه ولا
يبدع صنعه إلا سبحانه جلّ وعلا.
وكانت الشجرة التي منها أوقد الإنسان ناره، ومنها أطعم ثمارها، وعصر زيتها، ورَكِب خشبها، فكانت له مراكب وسفنا، ومن أغصانها سلاحا وعوناً، وتفيأ في ظلها، وبين فروعها سكن الطيور ، وله منها وفيها منافع كثيرة، بل أكثر من أن تحصى.
وبعد أن تطورت حياة الإنسان، ابتدع الوسائل والأدوات التي تساعده على المضي في هذه الحياة، وتسهل عليه تناول حاجاته، وتحوط وجوده عليها بالأمن والأمان، وهذا بفضل من الله، وبنور من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. وبدأ يطور الإنسان نفسه وأدواته بالعلم إلى أن أدرك بأن للشجرة روحاً! فهي تتنفس وتشرب، وتحزن وتذبل وتموت، والله هو الأعلم بما خلق وسوى.
ومن غرائب وعجائب هذا الخلق العظيم، ومن خلال دراسة وافية ومستفيضة لعلماء ومختصين تبين أن أحد أسباب تناقص الأشجار في المدن الكبيرة، وقصر أعمارها يرجع بسبب الضوضاء والصخب، فالضجيج والصوت الحاد والصارخ يؤثر على البيئة بشكل عام، وعلى الإنسان والحيوان، فهو أيضاً يقلص أعمار الأشجار في المدن والتجمعات الضاجة والصاخبة.
والشجرة زينة فوائد ودليل حياة، فهل أجمل من اللون الأخضر فهو دليل على جمال الوجود، وجمال الحياة على هذه الأرض؟ وفقاً لما ذكره الخالق العليم في كتابه {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} (60) سورة النمل.
أما من النواحي الإيجابية والعلمية الاعجازية التي وصل إلى علمها العقل البشري، هو في توصل الإنسان إلى إدراك بواسطة العلم والتحليل والدراسة والتركيز على أن الشجرة تساهم في تحقيق التوازن الطبيعي بين الأوكسجين والهيدروجين، العنصران الأكثر أهمية لحياة المخلوقات. ومن بعض إعجاز الخالق سبحانه، أن الشجر على النقيض من الإنسان؛ فالأشجار تتنفس غاز الأوكسجين ليلا وتطرح غاز ثاني أكسيد الكربون (غاز الفحم)، وتتنفس غاز الفحم نهارا وتطرح الأوكسجين، في عملية تبادلية إعجازية لتحقيق التوازن البيئي المثالي لحياة المخلوقات، أما الكائنات الحية الأخرى التي تعيش على اليابسة فإنها تتنفس الأكسجين وتطرح غاز الفحم ليلا ونهارا فسبحان من خلق فسوى.
ولو علمنا بأن هكتاراً واحداً من الأشجار يمتص نصف طن من الكربون الضار والسام سنوياً، لأدركنا ضرورة وحجم الحاجة لوجود وتكاثر الغابات والتجمعات الشجرية الخضرية على مساحة هذا الكوكب.
وقد أدرك العلماء أن الأشجار تساعد بنسبة عالية جداً ناهيك عن جمالها وما تضفيه من سحر وخيال في حياتنا الروحية، فهي تساعد بل وتعتبر عنصراً مهماً مساعداً على تلطيف الجو في المناطق الحارة، وتشكل بواسطة جذورها الراسخة مصدات في وجه الجفاف، وزحف الصحراء إلى الأراضي الغنية الصالحة للزراعة، وتعمل على تثبيت التربة، وتجلب الأمطار، وتشكل بيئة صالحة لحياة الحيوانات بأنواعها وخدمة للإنسان، ولمسيرة الحياة، ناهيك إننا نصنع من خشبها أكثر الأدوات التي نستخدمها في حياتنا، ومن أوراقها وثمرها وجذورها غذاء ودواء.
من هنا يمكن أن ندرك أهمية وضرورة الشجرة، وما تقدمه للإنسان من خدمات دون شكوى ودون تكلفة، سخرها الله سبحانه خدمة وعونا للإنسان، وقد كرّمها الله سبحانه، وذكرها في كتابه الكريم في أكثر من موضع وآية وسورة، فقد قال تعالى وهو أحسن القائلين: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(35) سورة النور .
فهل قدّم الإنسان بعض الولاء إلى الشجرة؟ وهل وصل إلى مرحلة التعامل الأجدى معها؟
إن بلادنا تعمل ما بوسعها لحماية البيئة، وتخطط وتضع مشاريع وتقوم بإجراء دراسات ميدانية وحقيقية من أجل حماية البيئة.. فهل أقل من أن نحمل المسؤولية التي تلقيها الحقيقة على عاتقنا، لخيرنا وخير أجيالنا من بعدنا، نرجو للجميع السلامة والمعافاة، فهو سبحانه من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.